وادي النار – وادي قدرون- وادي جهنم... في القدس التسمية والتضحية بالاطفال -الياس ابو عقصة

تعددت الثقافات مع تعدد الحضارات والتماس بينها , فانتقلت من حضارة الى اخرى مع بعض التغييرات في الاداء والاستعمال .مثلا هل يعقل ان يقبل احدهم ان يدخل ابنه /ابنته الى النار؟؟ او هل من المعقول ان يقرأ المنجم بالفنجان؟؟ وهل نصدق ان السحرة بتمتمتهم يتحدثون مع الارواح  والاشباح ؟؟؟  ....اليست هذه ثقافات من حضارات عريقة ,وانتقلت من شعب الى آخر ؟؟؟ يقول قائل ان ذلك سخافة وخرافات ,وبعض الشعوب والقبائل والحكام تعاملت بها , لكن البعض رفضها ومنع ممارستها كليا .
تكررت مثل هذه الثقافات في الكتب المقدسة ,وكان لها طقوسا خاصة وثنية  وبعضها لا يزال يمارس حتى اليوم ,وبعضها منع منعا باتا ,اذ ان مجرد منعها هو دليل على وجودها في الماضي.
جاء في كتاب التثنية  / العهد القديم 18 /10-11 :
"لا يوجد فيك من يجيز ابنه او ابنته في النار ولا من يعرف عرافة ولا عائف ولا متفائل ولا ساحر 11 ولا من يرقي رقية ولا من يسال جانا او تابعة ولا من يستشير الموتى " هذا دليل قاطع ان تلك الثقافات او الممارسات كانت موجودة . بمعنى انه في فترة الوثنية و العهد القديم مورست هذه التقاليد عند اليهود .والسؤال ما معنى ان تدخل ابنك /ابنتك بالنار,وما الرابط مع العرافة والسحر والحديث مع الجن او التحدث الى الموتى ؟؟
جاء في كتاب الملوك الثاني الاصحاح 16 عن الملك آحاز ملك يهودا (741-725 ق. م)
1 في السنة السابعة عشرة لفقح بن رمليا, ملك احاز بن يوثام ملك يهوذا. 2 كان احاز ابن عشرين سنة حين ملك.وملك ست عشرة سنة في اورشليم.ولم يعمل المستقيم في عيني الرب الهه كداود ابيه 3 بل سار في طريق ملوك اسرائيل حتى انه عبر ابنه في النار حسب ارجاس الامم الذين طردهم الرب من امام بني اسرائيل. 4 وذبح واوقد على المرتفعات وعلى التلال وتحت كل شجرة خضراء.
اما حفيذه منشى(696-624 ق.م) ملك يهودا (ابن حزقيا )" وبنى مذابح  لكل جند السماء,في داري بيت الرب  وعبر ابنه في النار " (ملوك الثاني  21/5-6 ).
في كلا الحالتين يؤكد كتاب " اخبار الايام " الاصحاح 28 والاصحاح 33 ان هذا حدث في وادي "ابن هنوم " .
الا ان هذه الممارسات في وادي "ابن هنوم " منعت قطعيا ايام الملك منشي حفيذ يوشيا (639-609 ق.م.)  , ونجس "توفة "التي قي وادي قدرون( الآية 10 ) لكي يمنع تقديم الاطفال ضحية  لمولوك او مولوخ...عن طريق حرقهم  وذلك كما جاء في كتاب الملوك الثاني  الاصحاح 23 :
1 وارسل الملك فجمعوا اليه كل شيوخ يهوذا واورشليم. 2 وصعد الملك الى بيت الرب وجميع رجال يهوذا وكل سكان اورشليم معه والكهنة والانبياء وكل الشعب من الصغير الى الكبير وقرا في اذانهم كل كلام سفر الشريعة الذي وجد في بيت الرب. 3 ووقف الملك على المنبر وقطع عهدا امام الرب للذهاب وراء الرب ولحفظ وصاياه وشهاداته وفرائضه بكل القلب وكل النفس لاقامة كلام هذا العهد المكتوب في هذا السفر.ووقف جميع الشعب عند العهد. 4 وامر الملك حلقيا الكاهن العظيم وكهنة الفرقة الثانية وحراس الباب ان يخرجوا من هيكل الرب جميع الانية المصنوعة للبعل وللسارية ولكل اجناد السماء واحرقها خارج اورشليم في حقول قدرون وحمل رمادها الى بيت ايل. 5 ولاشى كهنة الاصنام الذين جعلهم ملوك يهوذا ليوقدوا على المرتفعات في مدن يهوذا وما يحيط باورشليم والذين يوقدون للبعل للشمس والقمر والمنازل ولكل اجناد السماء. 6 واخرج السارية من بيت الرب خارج اورشليم الى وادي قدرون واحرقها في وادي قدرون ودقها الى ان صارت غبارا وذرى الغبار على قبور عامة الشعب. 7 وهدم بيوت المابونين التي عند بيت الرب حيث كانت النساء ينسجن بيوتا للسارية. 8 وجاء بجميع الكهنة من مدن يهوذا ونجس المرتفعات حيث كان الكهنة يوقدون من جبع الى بئر سبع وهدم مرتفعات الابواب التي عند مدخل باب يشوع رئيس المدينة التي عن اليسار في باب المدينة. 9 الا ان كهنة المرتفعات لم يصعدوا الى مذبح الرب في اورشليم بل اكلوا فطيرا بين اخوتهم. 10 ونجس توفة التي في وادي بني هنوم لكي لا يعبر احد ابنه او ابنته في النار لمولك. 11 واباد الخيل التي اعطاها ملوك يهوذا للشمس عند مدخل بيت الرب عند مخدع نثنملك الخصي الذي في الاروقة ومركبات الشمس احرقها بالنار. 12 والمذابح التي على سطح علية احاز التي عملها ملوك يهوذا والمذابح التي عملها منسى في داري بيت الرب هدمها الملك وركض من هناك وذرى غبارها في وادي قدرون. 13 والمرتفعات التي قبالة اورشليم التي عن يمين جبل الهلاك التي بناها سليمان ملك اسرائيل لعشتورث رجاسة الصيدونيين ولكموش رجاسة الموابيين ولملكوم كراهة بني عمون نجسها الملك. 14 وكسر التماثيل وقطع السواري وملا مكانها من عظام الناس. 15 وكذلك المذبح الذي في بيت ايل في المرتفعات التي عملها يربعام بن نباط الذي جعل اسرائيل يخطئ فذانك المذبح والمرتفعة هدمها واحرق المرتفعة وسحقها حتى صارت غبارا واحرق السارية.
الآية 10:  ” نجس توفة التي في وادي بني هنوم  لكي لا يعبر احد ابنه او بنته لمولوك " 
اذن ما المقصود  ب "توفة " و " وادي بني هنوم "  ؟؟ فهل هو وادي  هنوم ,غرب وجنوب مدينة القدس ؟؟ ومن هو  "مولوك " ؟؟....ولما كانت العبرية القديمة والعربية منحدرتان من الآرامية, فربما وادي هنوم هو....جهنم .
لنعد قليلا الى التاريخ ....في سنة 722 ق. م. مع احتلال الاشوريون /البابليون مملكة اسرائيل,ثم تلاه سنة 720 ق.م. ما نعرفه ب "سبي بابل " هرب العديد من الناس جنوبا الى القدس ,حيث سكنوا منطقة باب الخليل وجبل صهيون( اليوم ),وهذه الاجزاء من القدس كان الملك حزقيا قد ضمها في اطار القدس عندما بنى السور الثاني للمدينة, في نفس الفترة نشأت جنوب  وغرب المدينة  منطقة مقابر للموتى , حيث وجد خبراء الآثار العديد من غرف القبور امام  وعلى مقربة من باب الخليل ( اليوم ) 

وهذا يؤكده سفر يشوع في الاصحاح ال 15 /8 وفي الاصحاح 18/6 : 
 "وصعد التخم في وادي ابن هنوم الى جانب اليبوسي من الجنوب.هي اورشليم.وصعد التخم الى راس الجبل الذي قبالة وادي هنوم غربا الذي هو في طرف وادي الرفائيين شمالا "
 "ونزل التخم الى طرف الجبل الذي مقابل وادي ابن هنوم الذي في وادي الرفائيين شمالا ونزل الى وادي هنوم الى جانب اليبوسيين من الجنوب ونزل الى عين روجل 17"
اي ان منطقة المقابر امتدت الى الجنوب الغرب الى ما نسميه اليوم ايضا  "مرج الاشباح / الارواح " עמק רפאים  بمعنى آخر منطقة الموت والاموات. وهنا يكون موقع  "مولوك " حسب الملوك الثاني 23/10 .
يقول بعض الباحثون في التاريخ والآثار في العصور العابرة ,ان منطقة كارتاجو (شبه جزيرة بجانب مدينة تونس)وغيرها في نفوذ مناطق النفوذ الفينيقي (264-146 ق.م.) في جنوب سردينيا وصقليا والساحل الشمالي لافريقيا ,انهم وجدوا العديد من مواقع الحريق /محارق  من الفترة بين القرن الثامن والثاني قبل الميلاد وبها الكثير من عظام الاطفال مخلوطة مع عظام الماعز والطيور ,وعظام الاطفال والقبور موجودة بالقرب من المحارق .
في سنة 1935 حاول البروفسور في علم العهد القديم  اوتو ايسفيلد في مدينة هالي /المانيا ايجاد العلاقة  بين موقع مولوك /مولوخ في وادي يهنوم وتأثير الحضارة الفينيقة في حينه على التضحية بالاطفال ¸ الا ان نظريته تلك لم تجد تأكيدا علميا . لكن في العقود الاخيرة وجدت في مناطق الشرق الاوسط لوحات وتكرر عليها اسم  الاله "موليكو او ملكو " والذي يتناسب مع  الاله البابلي نيرجال ( اله الحرب والمرض والموت ) وكان موقعه في مدينة اوجاريت شمال غرب الهلال الخصيب حيث كانت عشتاروت (الهة الحب والجمال ,الحرب والتضحية بالحروب ) عند الفينيقيين .(بعدها سميت المدينة على اسمها ).هنا نعود الى العهد القديم  تثنية 1/4 حيث كان ملك الباشان اوج في المدينة, والمهم هنا ما قاله سفر يشوع 12/4 : 4 بعدما ضرب سيحون ملك الاموريين الساكن في حشبون وعوج ملك باشان الساكن في عشتاروث في اذرعي " او في الاصحاح 3/11 عن كون اوج من بقايا الرفأيين .
 وايضا الاصحاح 13/12 من سفر يشوع  عن ان اوج من بقايا "الرفائيين (רפאים ) : " كل مملكة عوج في باشان الذي ملك في عشتاروث وفي اذرعي.هو من بقية الرفائيين وضربهم موسى وطردهم"  .
يظهر من هذا ان وادي هنوم كانت موقعا فيه مذبحا/ محرقة لللاله مولوك ,حيث جاء في سفر اشعيا 57/9 : وسرت الى الملك بالدهن ,واكثرت اطيابك,وارسلت رسلك الى بعد  ونزلت حتى الى الهاوية ".....هذا ما منعاه  في سفر التثنية الاصحاح 18/10-11 المذكور اعلاه.
تختلط الاقوال والتفسيرات والمفاهيم ,اذ يمكن ان تكون هنوم او النار او ثم " وادي القتل " نسبة لما جرى للقدس  واهلها من ويلات ومصائب ودمار وكأن الله يعاقب بني يهودا لانهم  "عملوا الشر ووضعوا  مكرهاتهم في البيت الذي دعي باسمي لينجسوه " . سفر ارميا 7/29-34:
29 جزي شعرك واطرحيه وارفعي على الهضاب مرثاة لان الرب قد رفض ورذل جيل رجزه. 30 لان بني يهوذا قد عملوا الشر في عيني يقول الرب.وضعوا مكرهاتهم في البيت الذي دعي باسمي لينجسوه. 31 وبنو مرتفعات توفة التي في وادي ابن هنوم ليحرقوا بنيهم وبناتهم بالنار الذي لم امر به ولا صعد على قلبي 32 لذلك ها هي ايام تاتي يقول الرب ولا يسمى بعد توفة ولا وادي ابن هنوم بل وادي القتل ويدفنون في توفة حتى لا يكون موضع. 33 وتصير جثث هذا الشعب اكلا لطيور السماء ولوحوش الارض ولا مزعج. 34 وابطل من مدن يهوذا ومن شوارع اورشليم صوت الطرب وصوت الفرح صوت العريس وصوت العروس لان الارض تصير خرابا " .
تعددت الاسماء وربما الالفاظ ايضا وتغيرت من جيل الى جيل ,ففي الفترة الرومانية سمي المكان بالعبرية "جاي بني هنوم " وبالآرامية  "جهنم " وفي اليونانية "جهيينا " وفي العهد الجديد جاءت كلمة  "جهنم " لتكون مكان العقاب في الآخرة. لكن موقع "جهنم " لم يبق مجهولا اذ في البدايات اشار "ا اليهود المسيحيون ",ثم بعد الفتح الاسلامي للقدس  اشيرايضا الى الوادي بين المدينة و جبل الزيتون  وهو ما نعرفه اليوم بوادي قدرون.هذا ما يؤكده اليوم وجود المقابر 
للثلاث ديانات في نفس الموقع ,  حيث الاعتقاد انه هناك تكون الدينونة في آخر الايام .
في هذا الاطار لا ننسى قصة ابراهيم واسحاق كما جاء في سفر التكوين 22 ,حيث اخذ ابنه اسحاق ليقدمه ضحية للرب....فالرب امتحنه وعرف ايمان وثقة ابراهيم به. والقصة تدور
ربما في تلك المنطقة .  
ويبقى السؤال ....هل الكلمة..هنوم  هي  جحيم , جهنم    ,النار....وقدرون (קדרון ) والتي معناها الظلمة...وربما بسبب مكان القبور .

المصادر : 1- مجلة "الارض المقدسة "الالمانية 10/2019  للبوفسور كلاوس بيبرشتاين 
             2- الكتاب المقدس / العهد القديم 
             3- مرشد المواقع المسيحية في اسرائيل ...اصدار دار النشر اريئيل 85-87
            4- تاريخ القدس ...منخراب الهيكل حتى الفترة العثمانية ...اريئيل 83-84...